
يحمل كلٌ منا شهادة ميلادٍ تحمل تاريخ ذلك اليوم الذي كتبَ اللهُ له أن يصبحَ حياً يُرزق, يضيف لعدد النسمات واحداً وللتاريخ شيئاً به يُذكر. ولكن قَلما نسجل ذاك التاريخ الذي خطونا فيه أول خطواتنا أو تفوهنا فيه بأول الكلمات. لطالما كانت تلك التواريخ المنسية مصدر سعادة لا متناهية في وقتها, فلولا تلك الخطوات والكلمات لحيينا عمراً كاملاً عاجزين. تُوَثَقُ تواريخ بداية الثورات, يحفظها الجميع عن ظهر قلب, فهي الأيام التي كتب الله لنا فيها الحياة. لكن هناك أيام أخرى يبقى لها أثرٌ عظيم في نفوسنا فإن كانت الثورات هي البدايات, فالتبعات هي المعجزات الإلهية التي تفتح أبوابا حَيَيْنَا قروناً نحسبها موصدة، مُحرمٌ علينا الاقتراب منها. كان الخامس والعشرين من يناير 2011; الذي بدأ فيه النخبة من المثقفين والشباب وبعض الأحزاب بالحراك الثوري ضد الظلم والتجبر, بمثابة البداية. أما عن الثامن والعشرين من يناير “جمعة الغضب” فكان بمثابة تلك المعجزة التي غيّرت أمة، فلم تعد الثورة مقتصرة على فئة دون الأخرى، لم يعد لها فئة عمرية أو طبقة اجتماعية أو مستوى ثقافي محدد، بل أصبحت ثورة شعب عاش عقوداً من الظلم والقهر والصمت. وحينها فقط أيقن أن الخروج عن هذا الصمت ليس محرماً وأدرك أن الرضا بقضاء الله والسكوت عن الظلم لا يستويان. ترك هذا اليوم في كلٍ منا أثرا لا يُمحى، فهناك من ضحى بعينٍ أو ساقٍ وهناك من فقد عزيزاً، واشترك أولئك في وهبنا أسمى معاني الإنسانية; “الكرامة”, فلم تعد حِكْراً على فصيلٍ دون الآخر ولم يعد الشارع مَنْزِل من لا مأوى له, بل أصبح ملاذَ مسلوبي الحقوق والكرامة ومنذ ذلك اليوم أصبح “الغضب” معجزة شعب.